الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية تدعو إلى المساءلة وحرية التعبير خلال زيارتها إلى لبنان

في زيارة رفيعة المستوى إلى لبنان من 23 إلى 25 نوفمبر/تشرين الثاني، دعت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار السلطات اللبنانية إلى اتخاذ خطوات ملموسة نحو المساءلة على انتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة خلال النزاع المسلح مع إسرائيل، وتحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت، ودعم الجهود الرامية لتعزيز حماية حرية التعبير والحيز المدني.

خلال الزيارة، التقت أنياس كالامار رئيس الوزراء نواف سلام، ووزير العدل عادل نصار، فضلًا عن مدافعين عن حقوق الإنسان وناجين وعائلات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: “خلال سنوات قليلة، اضطر الناس في لبنان إلى معايشة حرب مدمرة مع إسرائيل، وأحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، وانهيار اقتصادي قاسٍ. ويستمر الناس في تلقي تبعات هذه الأحداث، وما زال الضحايا ينتظرون محاسبة المسؤولين عن وقوعها.

لدى الحكومة اللبنانية فرصة نادرة وعاجلة لوضع حد حاسم لسنوات الإفلات من العقاب، وسوء الإدارة، والتجاوزات – ولجعل حقوق الإنسان في صلب أعمالها. وخلال محادثاتي مع المسؤولين اللبنانيين، أعربوا عن استعدادهم للانخراط في القضايا الهامة لحقوق الإنسان. الآن، يكمن الاختبار الحقيقي في ترجمة تلك الأقوال إلى أفعال. ينبغي للحكومة أن تفي بوعودها، عبر الحرص على إجراء التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بدون تدخل سياسي، واتخاذ خطوات نحو مساءلة السلطات الإسرائيلية على جرائم الحرب التي ارتُكبت في لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإلغاء تجريم التحقير وتحقيق العدالة لضحايا عمليات القتل السياسية – بما فيها قتل لقمان سليم – وتعزيز الإصلاحات المؤسسية”.

تأتي الزيارة في لحظة حاسمة، بعد مضي عام تقريبًا على وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، والذي قُصد به وقف الأعمال القتالية واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار، استمرت إسرائيل بتنفيذ عمليات تدمير كبيرة على طول الحدود اللبنانية، وشن هجمات داخل لبنان، ورفضت الانسحاب من أجزاء من الأراضي اللبنانية، في حين ظل أفراد المجتمعات في جنوب لبنان نازحين، ويعيشون في ظل انعدام الأمان وغياب خطط لإعادة الإعمار في المدى المنظور قائمة على أساس حقوق الإنسان.

العدالة والمساءلة على انتهاكات القانون الدولي الإنساني

منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وثّقت منظمة العفو الدولية الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال الحرب على لبنان، بما في ذلك الغارات الجوية غبر المشروعة ضد المدنيين والأعيان المدنية التي يجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب، واستخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض، وتنفيذ انفجارات عشوائية ضخمة استهدفت أجهزة إلكترونية، وشن هجمات على صحفيين، ومرافق صحية، وسيارات إسعاف، ومسعفين. كذلك وثّقت منظمة العفو الدولية إطلاق حزب الله صواريخ غير موجّهة على مناطق مدنية مأهولة في إسرائيل.

لدى الحكومة اللبنانية فرصة نادرة وعاجلة لوضع حد حاسم لسنوات الإفلات من العقاب، وسوء الإدارة، والتجاوزات – ولجعل حقوق الإنسان في صلب أعمالها.

أنياس كالامار، منظمة العفو الدولية

عقب وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وثّقت المنظمة أيضًا كيف دمّر الجيش الإسرائيلي وألحق أضرارًا هائلة بالمنشآت المدنية والأراضي الزراعية في جنوب لبنان بين 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024 و26 يناير/كانون الثاني 2025.

حتى اليوم، لم تتخذ الحكومة اللبنانية خطوات مجدية لضمان المساءلة، أو الانتصاف، أو التعويضات لضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني والجرائم الدولية التي ارتُكبت أثناء النزاع.  

وأضافت أنياس كالامار: “لا يجوز أبدًا أن تقف السياسة في طريق تحقيق العدالة، وكشف الحقيقة، وتقديم التعويضات. وينبغي للسلطات اللبنانية دراسة كل السبل الممكنة من أجل المحاسبة – وذلك عبر مباشرة تحقيقات محلية موثوقة في جرائم الحرب المزعومة، وإنشاء سجل بجميع عمليات القتل، والإصابات، والأضرار، وتنفيذ الإجراءات اللازمة لتمكين المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق فيها، واتخاذ خطوات ملموسة لضمان تقديم التعويضات للأشخاص والمجتمعات المتضررة. كما تحث منظمة العفو الدولية الحكومة اللبنانية على أن ترفع الصوت عاليًا على الصعيد الدولي ضد عمليات قتل الصحفيين في النزاعات المسلحة، وبصورة أعم لحماية النظام القائم على سيادة القانون”.

تحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت

بعد مرور أكثر من خمس سنوات على انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 — أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، الذي أودى بحياة 236 شخصًا على الأقل وتسبب بإصابة ما يزيد عن 7,000 شخصًا ودمّر جزءًا كبيرًا من بيروت — يظل الضحايا وعائلاتهم ينتظرون كشف الحقيقة وتحقيق العدالة. وقد عرقلت السلطات بصورة متكررة التحقيق المحلي من خلال حماية السياسيين والمسؤولين من المحاسبة. وفي يناير/كانون الثاني 2025، استأنف القاضي طارق بيطار عمله رسميًا بعد توقف طويل، فأصدر استدعاءات جديدة وأعاد فتح عمليات استجواب كبار المسؤولين الأمنيين. بيد أن إحراز تقدم في سير التحقيق لا يزال موضع شك. وقد دعت المنظمة السلطات إلى حماية المسار نحو العدالة في ما يخص ضحايا انفجار مرفأ بيروت عبر الحرص على أن يكون التحقيق شاملًا، ومستقلًا، وخاليًا من التدخلات السياسية. 

وأردفت أنياس كالامار قائلةً: “هذا اختبار مهم للبنان ولحظة حاسمة لاستعادة ثقة الناس في النظام القضائي. لقد أبدت عائلات الضحايا إصرارًا استثنائيًا في بحثها عن الحقيقة. ويتعين على السلطات اللبنانية أن تقرن تلك الشجاعة بإرادة سياسية حقيقية”.

التحقيقات في عمليات القتل السياسية

لدى لبنان تاريخ حافل في عمليات الاغتيال ذات الدوافع السياسية بدون إجراء أي تحقيق فعال لتحديد هوية جميع الجناة وإخضاعهم للمساءلة. فقد قُتل لقمان سليم، وهو مفكِّر، وناشر، ومدافع عن حقوق الإنسان، في جنوب لبنان في 3 فبراير/شباط 2021. وتوقف التحقيق في مقتله لمدة ثلاث سنوات قبل أن يُعلَّق في ديسمبر/كانون الأول 2024. وفي مايو/أيار من هذا العام، عُيِّنت قاضية جديدة، وعقدت جلسة استماع في يونيو/حزيران.

وقالت أنياس كالامار: “يسرنا معرفة أنه بعد سنوات من المماطلة والتسويف، يبدو أن هناك اهتمامًا متجددًا بالتحقيق في مقتل لقمان سليم. إننا ندعو السلطات القضائية إلى الحرص على ألاّ يكون التحقيق بداية زائفة أخرى، وأن يؤدي إلى توجيه تهم إلى المسؤولين عن جريمة القتل، بمن فيهم الرؤوس المدبرة، ومحاسبتهم”.

قانون الإعلام وحماية حرية التعبير

يبقى القلق الشديد يساور منظمة العفو الدولية إزاء إساءة الاستخدام المستمرة للنصوص الجنائية المتعلقة بالتحقير والقدح والذم من أجل ترهيب الصحفيين، والنشطاء، والمواطنين الذين ينتقدون أصحاب السلطة. ومع مراجعة البرلمان اقتراح قانون الإعلام المنقّح، شجَّع الوفد السلطات على دعم الإصلاحات التي تلغي أحكام السجن والتوقيف الاحتياطي في المخالفات المتعلّقة بالتعبير عن الرأي، وإبدال قوانين التحقير الجنائية بنصوص مدنية جديدة.

خلفية 

أنياس كالامار هي خبيرة حقوقية دولية. وتُعدّ الدكتورة كالامار مدافعة بارزة عن حرية التعبير، وهي ناشطة نسوية ومناهضة للعنصرية؛ كما أنها تتصدر الجهود الدولية لمكافحة بعضٍ من أكبر التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في عصرنا. وقد عُينت أمينة عامة لمنظمة العفو الدولية في 2021، وعملت سابقًا كمقررة خاصة للأمم المتحدة معنية بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفًا.