ماذا نعني بالعدالة العرقية؟
عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، لا يقتصر العمل في مجال العدالة العرقية فقط على منع التمييز العنصري في الحالات الفردية ومكافحة القمع الهيكلي. بل ينطوي أيضًا على العمل من أجل التغيير الممنهج والحلول، عبر استهداف الأسباب الجذرية للقمع العرقي، إذ أنه يتقاطع مع النظام الأبوي والاستعمار والعبودية، إضافة إلى عدم المساواة الاقتصادية.
تكمن في جوهر هذا العمل أصوات الأشخاص الذين تعرضوا للظلم العرقي وتجاربهم مع انتهاكات حقوق الإنسان بسبب العنصرية المنهجية.

ما هي العنصرية المنهجية؟
يمكن تعريف العنصرية المنهجية بأنها مجموعة السياسات والممارسات القائمة في مجتمع بأكمله التي تؤدي إلى استمرار تمتع بعض الناس بمزايا على نحو غير عادل ومعاملة آخرين بصورة غير عادلة أو ضارة على أساس العرق.
تتخذ العنصرية المنهجية عدة أشكال من بينها:
السلطة الاقتصادية التي تعطي امتيازات للأشخاص البيض من حيث التعيين الوظيفي والتقدم في السلم الوظيفي والثروة وتجميع الممتلكات.
عندما تُصنّف مجموعة واحدة من الأشخاص وقيمهم وأساليب قيامهم بالأمور على أنها “طبيعية” ومجموعات أخرى من الأشخاص على أنها “غير طبيعية”.
السلطة السياسية لحجب الحقوق الأساسية عن الأشخاص الملونين واستخدام السلطة الكاملة للدولة لفرض الفصل وعدم المساواة، من الناحية العملية.
السلطة الاجتماعية لحرمان الأشخاص الملونين من الشمولية أو العضوية الكاملة في الحياة الاجتماعية.

كيف يؤثر التمييز العنصري على المجتمع؟
وفقًا للقانون الدولي، يقصد بتعبير “التمييز العنصري” أي “تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.”
يمكن أن يشمل الأشخاص السود والمجتمعات المصنّفة عرقيًا الأخرى. كما يمكن أن يتقاطع مع الأقليات الدينية والإثنية وقد يتخذ أشكالًا محددة عند استهداف المهاجرين واللاجئين والنازحين. يؤثر التمييز العرقي على المجتمعات وحياة الناس بعدة طرق.
العمل الشرطي ونظام العدالة الجنائية
تشوب نظام العمل الشرطي حول العالم ممارسات عرقية وتمييزية. ويشمل الذين يتأثرون بشكل غير متناسب بهذه الممارسات الأشخاص السود، وكذلك المنتمين إلى الداليت والأديفاسي، والمسلمون، وغيرهم من المجتمعات المهمشة عرقيًا.
يتعرضون للتصنيف العرقي، والاعتقالات غير القانونية، والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية، فضلًا عن عنف الشرطة الذي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة. كما يواجهون زيادة في عمليات التحقق من الهوية، والاعتقالات، والسجن بسبب الجرائم المتعلقة بالمخدرات، والجُنح البسيطة وجرائم “النظام العام”، فضلًا عن الجرائم المتعلقة بالهجرة وتجريم العمل في مجال الجنس.
على سبيل المثال، أثناء وباء كوفيد-19، كان لإنفاذ تدابير الإغلاق تأثير غير متناسب على الأفراد والجماعات المهمشين عرقيًا. وفي البرازيل، تُستعمل “الحرب على المخدرات” لتبرير الاستخدام المفرط وغير الضروري لاستخدام القوة، بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء. نتيجة لذلك، يلقى الآلاف من البرازيليين الأفارقة الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة حتفهم.

المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء
هناك توجه ينذر بالخطر نحو التمييز العرقي المنهجي، بما في ذلك العنف ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء. هذه المعاملة القاسية في بعض الظروف وصلت إلى مستوى الجرائم بموجب القانون الدولي – وتؤثر بشكل غير متناسب على المهاجرين السود واللاجئين وطالبي اللجوء.
ففي تونس، أشعلت التصريحات العنصرية للرئيس موجة من العنف ضد السود في البلاد، بما في ذلك الهجمات العنيفة ضد المهاجرين والطلاب السود، التي قللت من شأنها السلطات التونسية.
وفي قطر، يتعرض العمال الأجانب – وخاصة القادمين منهم من إفريقيا وجنوب آسيا – للتمييز بسبب أصلهم القومي وعرقهم على عدة أصعدة، بما في ذلك على صعيد الرواتب.
وفي أوروبا، يضطر المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء بشكل متزايد إلى اللجوء إلى طرق غير آمنة للوصول إلى الحدود الأوروبية بسبب الجهود المستمرة لواضعي السياسة الأوروبيين من أجل إغلاق الطرق الآمنة والقانونية من خلال عمليات الإعادة وتجريم المساعدة في مجال الإنقاذ.

الوصول إلى الرعاية الصحية
بسبب التفاوتات الهيكلية، يخلق التمييز العرقي حواجز تمنع بعض الناس من الحصول على رعاية صحية جيدة، مما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الصحية بشكل أكبر. لا تنحصر هذه الحواجز غالبًا بعرق الشخص أو المجموعة فقط، بل تنتج أيضًا عن مجموعة من العوامل الأخرى، مثل النوع الاجتماعي، والجنسانية، والدخل، والجنسية، والوضع الوظيفي، والحالة الصحية أو الإعاقة.
القضية واسعة النطاق. على سبيل المثال، في ناميبيا، يواجه شعب سان حواجز كبيرة تحول دون وصولهم إلى الرعاية الصحية بسبب موقعهم البعيد. فعلى الرغم من أن معظم سكان المناطق الريفية في ناميبيا يواجهون حواجز مماثلة تتعلق بالمسافة وتحول دون وصولهم إلى مرافق الرعاية الصحية، إلا أن التحديات المتعددة أمام شعب سان، بما في ذلك الافتقار إلى التعليم والإمكانيات المالية وضعف الوصول إلى وسائل النقل العام، تجعل الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية أكثر صعوبة، إذ إنها تقع في بعض الحالات على بعد 80 كيلومترًا.
الحصول على التعليم
يُحرم الأطفال الذين يواجهون التمييز العرقي من الحصول على تعليم جيد.
على سبيل المثال، يعاني أطفال الروما من التمييز المنهجي والمستمر في التعليم الابتدائي في جمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر ودول أوروبية أخرى منذ عقود من الزمن.
هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان منهجية بطبيعتها، ونتيجة لذلك، يوضع أطفال الروما في مدارس وفصول مخصصة للتلاميذ من ذوي الإعاقة العقلية، ويُفصلون في مدارس وفصول مخصصة للروما فقط، ويعامَلون بشكل مختلف وبتحيز في المدارس العادية، وذلك بسبب إثنيتهم ليس إلا.

العدالة العرقية والمناخية
للأسف، يرتبط كل من الإثنية والعرق والطبقة الاجتماعية بأشكال عدم المساواة المتعلقة بالآثار الضارة لتغير المناخ والوقود الأحفوري.
في الهند ونيبال، إن النساء والفتيات المنتميات إلى ما يسمى “الطبقات الدنيا” مثل الداليت، هن أكثر عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ، حيث يجبرن على العيش في مساكن منفصلة ومعزولة. مرارًا وتكرارًا، يتم تجاهل هؤلاء النساء وإقصائهن في الاستجابات الإنسانية واستجابات إعادة التأهيل. كما يُحرمن باستمرار من الموارد والفرص للتأثير على القرارات المتعلقة بهن.
في أمريكا الشمالية، يؤثر تلوث الهواء بشكل غير متناسب على المجتمعات الأكثر فقرًا التي تعاني من التمييز العرقي، وبالأخص مجتمعات السود، التي غالبًا ما تكون أحياؤها بجوار محطات الطاقة ومصافي التكرير والطرق السريعة. ويؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض السرطان. كما أن السود هم أكثر عرضة بثلاث مرات للوفاة من التلوث المحمول جوًا من إجمالي سكان الولايات المتحدة الأمريكية.
ولذلك تأثير ضار أيضًا على السكان الأصليين. يتسبب حرق الوقود الأحفوري في قتل الناس وإلحاق الضرر بالبيئة. ولكن مع بدء الاقتصاد العالمي في الابتعاد عن الوقود الأحفوري والتوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة، يمكن أن يلحق ذلك ضررًا أيضًا بحقوق الإنسان، وكذلك البيئة، حيث أنه يعتمد على زيادة هائلة في استخراج المعادن والتعدين. إذا واصل شركات التعدين ومشتري المعادن هذه الممارسات، قد يفاقموا انتهاكات حقوق الإنسان التي تتعرض لها مجتمعات الخطوط الأمامية، بما في ذلك الشعوب الأصلية، وقد يعرقلوا طريق الوصول إلى مستقبل مستدام.

الجرائم ضد الإنسانية والعدالة الدولية
لدى منظمة العفو الدولية بواعث قلق بشأن المعايير المزدوجة فيما يتعلق بالعدالة الدولية، بما في ذلك الإخفاقات الواضحة للمحكمة الجنائية الدولية في محاسبة الجناة المشتبه بهم من الدول النافذة وضمان فرص متساوية للوصول إلى العدالة لجميع ضحايا الجرائم بموجب القانون الدولي.
يبدو أن القرارات الأخيرة الصادرة عن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بعدم التحقيق أو عدم إعطاء الأولوية للتحقيقات في الجرائم التي يُزعم ارتكابها من قبل مواطني الدول النافذة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، تثير التساؤلات عما إذا كانت مبادئ العدالة الدولية تُطبَّق بالتساوي مع جميع الجناة، بغض النظر عن حجم نفوذهم. وبالمثل، فإن التمويل الطوعي المخصص للتحقيق في أوكرانيا، مقارنة بقيود الميزانية المحيطة بالتحقيقات في حالات أخرى مثل نيجيريا وأفغانستان، ينطوي على مخاطر تصور وجود نظام هرمي للعدالة الدولية لا يتمتع فيه ضحايا الجرائم بموجب القانون الدولي بفرص متساوية للوصول إلى العدالة.
بالإضافة إلى ذلك، إن التقدم بطيء في تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتشمل هذه الجرائم الفصل العنصري، الذي يمثّل جريمة ضد الإنسانية. يعتبر الفصل العنصري نظام معاملة قاسية تتسم بتمييز بشكل مطوّل من جانب فئة عرقية ما تجاه أفراد من فئة عرقية أخرى بهدف فرض سيطرتها عليها.

دراسة حالة: نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، عكفت الحكومات المتعاقبة على إنشاء وإدامة نظام من القوانين والسياسات والممارسات التي تهدف إلى قمع الفلسطينيين والسيطرة عليهم. ويتبدى هذا النظام بأشكال متباينة في شتى المناطق التي تمارس فيها إسرائيل السيطرة على حقوق الفلسطينيين، ولكن هدفه واحد في كل الحالات، ألا وهو منح اليهود الإسرائيليين امتيازات على حساب الفلسطينيين. وهذا فصل عنصري
وتديم إسرائيل هذا النظام من خلال استخدام أربع استراتيجيات أساسية:
- فصل الفلسطينيين عن بعضهم البعض في مناطق إقليمية وقانونية وإدارية مختلفة، ومنعهم من حقهم في العودة.
- مصادرة أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم، وحرمانهم من تصاريح البناء، وهدم المنازل، وإخلاء الفلسطينيين قسرًا من منازلهم.
- عزل الفلسطينيين في جيوب على أساس إقامتهم ووضعهم القانوني.
- حرمان الفلسطينيين من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك من خلال تخصيص الموارد بشكل تمييزي.
محمد الرجبي هو من سكان بلدة سلوان بالقدس الشرقية المحتلة، وقد هدمت السلطات الإسرائيلية بيته يوم 23 يونيو/حزيران 2020، على أساس أنه بُني “بشكل غير قانوني”. وصف الرجبي لمنظمة العفو الدولية الأثر المدمر لذلك على عائلته قائلًا:
“كان أملي بالنسبة لهم أن يكون لديهم بيت عائلي دافئ بالقرب من أحبائهم وأفراد عائلتهم. ولكن الآن، كل ما لدي هو أن أنقل إليهم ذكريات البيت الذي شهد أيام طفولتهم الأولى وهو يُهدم”.
كان أملي بالنسبة لهم أن يكون لديهم بيت عائلي دافئ بالقرب من أحبائهم وأفراد عائلتهم. ولكن الآن، كل ما لدي هو أن أنقل إليهم ذكريات البيت الذي شهد أيام طفولتهم الأولى وهو يُهدم
محمد الرجبي
تحركات من أجل العدالة العرقية
على مدى عقود، تكتسب التحركات من أجل العدالة العرقية زخمًا، حيث أخذ الناس يرفعون أصواتهم بشجاعة بوجه الظلم حول العالم.
في السنوات الأخيرة، كان تحرك #حياة_السود_مهمة في طليعة التغيير. انطلق تحرك حياة السود مهمة في عام 2013 ردًا على تبرئة قاتل ترايفون مارتن، وهو يهدف للقضاء على تفوق العرق الأبيض وتأسيس قوة محلية للتدخل من أجل مكافحة العنف الذي تتعرض له مجتمعات السود من قبل الدولة وموظفيها.
بيد أنه ليس من السهل التحدث علانية، لا سيما بالنسبة للأقليات.
تشكل القدرة على الاحتجاج بأمان قضيةً تتقاطع مع الحق في عدم التعرض للتمييز. ويواجه الأشخاص الذين يتعرضون لأشكال عدم المساواة والتمييز، على أساس العمر والعرق وهوية النوع الاجتماعي والعديد من العوامل الأخرى، المزيد من الأخطار التي تهدّد حقهم في الاحتجاج.
من المهم أن يتمكن الجميع من التظاهر بأمان وبدون تمييز – وهي قضية تسلط منظمة العفو الدولية الضوء عليها في حملتها بعنوان لنحمِ التظاهر.

دراسة حالة: احظِروا تكنولوجيا التعرّف على الوجه
تستخدم وكالات إنفاذ القانون حول العالم تكنولوجيا التعرف على الوجه لخنق الاحتجاجات ومضايقة مجتمعات الأقليات. هذه الأنظمة تنتهك الحق في الخصوصية، وتهدد الحق في حرية التجمع السلمي والتعبير، والحق في المساواة وعدم التمييز.
كيف تعمل هذه التكنولوجيا؟ تُطوّر الشركات تكنولوجيا التعرف على الوجه باستخراج الملايين من الصور من حسابات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وقواعد بيانات أخرى مثل رخص قيادة السيارات، بدون علم وموافقة أصحابها. تكنولوجيا التعرف على الوجه يمكن أن تزيد من عملية المراقبة الشرطية التمييزية العنصرية، وتهدد الحق في الاحتجاج. إن مجتمعات السود والأقليات هي الأكثر تأثّرًا بهذه التكنولوجيا، حيث تواجه خطر سوء تحديد الهوية والاعتقالات الخاطئة – وفي بعض الحالات، كان التعرف على الوجه غير دقيق بنسبة 95%.
بدون اتخاذ إجراءات، ستصبح تكنولوجيا التعرف على الوجه وآثارها الخطيرة جزءًا عاديًا من الحياة اليومية وستتعرض الأقليات للاستهداف والمضايقة باستمرار.
لهذا السبب أطلقت منظمة العفو الدولية حملة، تركز فيها على الولايات المتحدة الأمريكية وحيدر أباد والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدعو من خلالها إلى حظر تكنولوجيا التعرّف على الوجه.
ماذا تفعل منظمة العفو الدولية للنضال من أجل العدالة العرقية؟
تدعو منظمة العفو الدولية إلى ضمان تمتع الأشخاص الذين تعرضوا للتمييز تاريخيًا ومنهجيًا بالمساواة في القانون وعلى أرض الواقع.
بحيث يجب على الدول ضمان العدالة والإنصاف، بما في ذلك من خلال إزالة القوانين والسياسات والممارسات التي تنطوي على التمييز العرقي، وإتاحة فرص متساوية للوصول إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما ينبغي عليها اتخاذ تدابير لإنهاء المبالغة في أعمال حفظ الأمن والتجريم المفرط ضد الأشخاص والمجتمعات المعرضين للتمييز.
لمعرفة المزيد حول التمييز على أساس النَّسب وكيفية معالجته، تسجلوا في دورتنا بعنوان فك رموز التمييز القائم على النَّسب.
