الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

ما هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولماذا هي مهمة؟

تدعو منظمة العفو الدولية إلى احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تحظى بالحماية بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعديد من معاهدات حقوق الإنسان. فما هي هذه الحقوق، وكيف تُعتبر مترابطة؟

تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية توفير الحماية لاحتياجاتنا الأساسية من أجل العيش: الغذاء، والماء، والصرف الصحي، والصحة، والسكن، والضمان الاجتماعي. كما تشمل ما نحتاجه كي نعيش حياة كريمة، من قبيل الحق في التعليم، والحق في العمل، والحقوق التي تتأثر بأزمة المناخ الحالية. تتقاطع جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع بعضها بعضًا وتؤثر على بعضها بعضًا – فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي سوء المرافق الصحية إلى تردي الصحة العامة.

لماذا تُعتبر هذه الحقوق مهمة؟

نحتاج جميعنا إلى مساكن نعيش فيها، وطعام نأكله؛ وماء نشربه ونغسل وننظف ونطهو به؛ ومرافق صرف صحي لضمان البقاء في حالة صحية جيدة. وعندما نُصاب بمرض، نحتاج إلى رعاية صحية. ويحتاج أطفالنا إلى تعليم، وعمالنا إلى معاملة وأُجور عادلة. ويحتاج من لا يستطيعون العمل إلى نظام ضمان اجتماعي يمكِّنهم من التغلب على الظروف الصعبة وعيش حياة كريمة.

إن التفاوت الاقتصادي والاجتماعي الصارخ يمثل واقعًا قاسيًا في مختلف البلدان بجميع مستويات تقدمها. فتفتقد مليارات البشر في شتى أنحاء العالم للعديد من هذه الحقوق الأساسية. وحتىالحكومات الغنية والقوية لم تفِ بالتزاماتها بالقضاء على الجوع والأمراض التي يمكن الوقاية منها، والحد من الأمية والتشرد. كما أن الأزمات المتداخلة، كالحروب وتغير المناخ، تؤدي إلى زيادة الفقر وعدم المساواة والتمييز في العالم بأسره.

وتقع على عاتق الحكومات في سائر بلدان العالم التزامات بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتُحمِّلها منظمة العفو الدولية المسؤولية عن احترام هذه الحقوق وحمايتها والإيفاء بها.

ما هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟

تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

  • الغذاء
  • المياه والصرف الصحي
  • الصحة
  • السكن
  • التعليم
  • حقوق العمال
  • الضمان الاجتماعي

الحق في الغذاء

إن الحق في الغذاء يعني أكثر من مجرد الحق في تناول طعام يكفي لسد الرمق وعدم الموت جوعًا. بل يعني أن الغذاء يجب أن يتوفر بكميات كافية ونوعية جيدة تشبع حاجة كل من يأكله، من حيث الاحتياجات الصحية والتغذوية وضمن الثقافة الغذائية المتبعة. كما أنه يجب أن يكون يسير التكلفة وسهل المنال بشكل مستدام.

أما على أرض الواقع، فعلى الرغم من أن كمية الغذاء التي تُزرع وتُنتج وتُصنَّع حول العالم كافية كي لا يعاني أي شخص في هذا العالم من الجوع أو سوء التغذية، فإن ملايين البشر لا يستطيعون الحصول على طعام كافٍ ومغذٍّ يوميًا، بسبب إخفاقات الحكومات وتعدد الأزمات، من قبيل الصراعات وتغير المناخ.

وثمة طرق عدة قد تؤثر على الحق في الغذاء بسبب عدم كفاية الإجراءات الحكومية، إذ يمكن أن يتسبب ارتفاع الأسعار الهائل في انعدام الأمن الغذائي، أو أن تؤدي حالات الأزمات إلى منع وصول المساعدات الإنسانية (كالغذاء والماء)، مثلما حدث في إثيوبيا على سبيل المثال.

أشخاص متضررون من الحرب ينتظرون تلقِّي وجبات مجانية مقدَّمة من مطبخ خيري في منطقة مسيك في 2 أبريل/نيسان 2022، في صنعاء باليمن.

الحق في المياه والصرف الصحي

إن الحق في الحصول على المياه ضروري جدًا لكل كائن حي، وبدونه نموت. فنحن نحتاج إلى الماء من أجل الشرب، والنظافة الشخصية، والطهي، والصرف الصحي، وللتمتع بجميع حقوق الإنسان الأخرى، ومنها الحق في الحياة، ناهيك عن كونه عنصرًا أساسيًا في إنتاج الغذاء.

كما أن الحق في الصرف الصحي يمكِّن الأشخاص من الوصول إلى بيئة نظيفة وصحية، وبدونه تنشأ عوائق أمام الحقوق الأخرى، كالصحة والتعليم.

يجب أن يكون الماء متوفرًا ومتاحًا للجميع بكميات كافية ونوعية جيدة لسدِّ احتياجاتهم كافة. غير أن ثمة طرقًا عدة لانتهاك الحق في المياه والصرف الصحي.

فالتلوث قد يجعل الماء غير آمن، ونُدرة المياه قد تؤدي إلى جفاف مدمِّر. وفي الغالب قد تزيد أزمة المناخ الوضع سوءًا، عبر مفاقمتها لشُح المياه النظيفة وإمكانية الوصول إليها. وربما تتحكم الحكومات والشركات في إمدادات المياه بطرق تكفل عدم وصول الناس إليها بشكل كافٍ. ولطالما تلقَّى مدافعون عن حقوق الإنسان تهديدات بالقتل بسبب تحدثهم دفاعًا عن هذا الحق.

رودريغو مونداكا، مدافع عن الحق في المياه في حركة الدفاع عن الأرض وحماية البيئة والوصول إلى المياه في تشيلي.

الحق في الصحة

يرتبط الحق في الصحة بجميع حقوق الإنسان الأخرى بشكل وثيق، إذ يحق لنا جميعًا الحصول على أعلى مستوى ممكن من الصحة الجسدية والنفسية. ويشمل هذا ما نسميه “المحدِّدات الاجتماعية للصحة”، من قبيل البيئة الصحية، وعدم التعرض للعنف والتمييز، والغذاء، والسكن، والصرف الصحي، والماء، والتعليم، والضمان الاجتماعي.

إن الحق في الصحة لا يعني الحق في أن يكون المرء صحيًا، وإنما أن يتمتع الجميع بالحق في الوصول إلى نظام صحي يمكِّنهم من المحافظة على صحتهم وضمانها. وربما تكون لفئات مختلفة من الأشخاص –كالنساء والأطفال والشيوخ وذوي الإعاقة– احتياجات خاصة، ويتعين على الحكومات ضمان فهم تلك الاحتياجات وتلبيتها على نحو مناسب.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يزال هناك العديد من حالات عدم المساواة في الرعاية الصحية، حيث لا يقدر بعض الأشخاص على الحصول على الرعاية الصحية بالسهولة التي يحصل عليها آخرون. فأثناء جائحة كوفيد-19 مثلًا، ساد عدم المساواة في الحصول على اللقاحات، عندما قامت شركات الصناعة الدوائية بتقييد حصول البلدان متدنية الدخل على اللقاحات المنقذة للحياة. كما أن عدم المساواة في الرعاية الصحية يمكن أن ينجم عن عوامل مثل نقص الأدوية، عندما تفشل الحكومات في اتخاذ الاستعدادات الكافية لاحتياجات الرعاية الصحية، سواء بعدم ضمان توفير الإمدادات، أو بفرض رسوم مرتفعة تجعل الحصول على الرعاية الصحية والأدوية أمرًا باهظ التكلفة.

كما يمكن أن تفشل الحكومات في حماية الحق في الصحة بسبب سوء إدارتها لأزمات الصحة العامة، مثلما شاهدنا إبَّان تفشي الجائحة. 

امرأة تسير أمام مدخل مركز تطعيم مغلق بسبب نقص مخزون لقاحات فيروس كورونا، كوفيد-19، في مومباي في 9 يوليو/تموز 2021.

الحق في السكن

يحق لنا جميعًا الحصول على سكن ملائم؛ مكان آمن نُسمِّيه بيتنا، يُسمح لنا قانونًا بالعيش فيه، ويحظى بالخدمات الأساسية والبنية التحتية، كالماء والصرف الصحي، وأن تكون تكاليفه متيسرة، وأن يكون ملائمًا لحمايتنا وحماية أُسَرِنا من الطقس السيئ والأمراض والتلوث.

يجب ألا يكون أحد متشردًا. فوفقًا للقوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، يعتبر التشرد انتهاكًا صارخًا للحق في السكن الملائم (من بين حقوق أخرى).

ومن المؤسف أن ثمة طرق عدة لانتهاك هذا الحق، من قبيل تهجير السكان أثناء الصراعات، وعمليات الإخلاء القسري (للسكان الأصليين مثلًا، كحالة شعب الماساي)، وعلى أيدي الشركات، كشركاتالتعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

عمليات الإخلاء القسري تلحق الضرر بآلاف الأشخاص في كوت ديفوار، حيث لم يتلقَ العديد منهم بلاغًا بهدم منازلهم.

الحق في التعليم

لكل منا حق في التعليم. فالتعليم أمر حيوي للغاية لتحقيق كل ما يصبو إليه الفرد من الأماني الإنسانية والتنمية الشخصية. كما أنه يمكِّننا من الحصول على الحقوق الأخرى والتمتع بها على نحو أفضل، من قبيل الحق في العمل، وفي السكن الملائم، وفي مستوى معيشي لائق.

والحق في التعليم يشمل التعليم مدى الحياة وبجميع مستوياته (الأساسي والثانوي والجامعي) في مؤسسات رسمية أو غير رسمية. والتعليم الأساسي إلزامي ويجب توفيره لكل شخص مجانًا، أما المستويات العليا، فيتعين على الحكومات العمل من أجل جعلها مجانية أيضًا، وضمان إتاحتها للجميع وبتكلفة ميسورة.

يجب أن تعطي الحكومات الأولوية للتعليم العام المجاني والمتيسر التكاليف والجيد، وأن توفر الميزانية المناسبة له، عبر استخدام وزيادة مواردها لتمويل المدارس العامة التي يمكن الوصول إليها ومرافقها ملائمة. وعندما لا يحدث ذلك، فقد يتسبب بعدم المساواة بشكل كبير، كما في الحالة التي وجدتْها منظمة العفو الدولية في جنوب أفريقيا.

كجزء من تقرير نظام تعليمي فاشل وغير متكافئ (#BrokenAndUnequal)  وحملة التعليم الجيد.

الحق في الضمان الاجتماعي

لكل منا حق في التمتع بالضمان الاجتماعي. والضمان الاجتماعي يعني حقكم في الحصول على المنافع التي تساعدكم على التمتع بمستوى معيشي لائق، حتى عندما لا تملكون ما يكفيكم من المال وتكونون غير قادرين على تلبية احتياجاتكم الأساسية الخاصة. فثمة حالات عدة لا يتوفر فيها لديكم أو لدى الآخرين دخل كافٍ لتدبُّر أمور الحياة دون الحصول على دعم إضافي، ومنها: البطالة، والمرض، والعجز، والأمومة/الأبوَّة، والإصابة، ووفاة شخص عزيز، والشيخوخة.

ويهدف توفير الضمان الاجتماعي إلى تخفيف حالة الفقر، وضمان قدرة الجميع على الحصول على حقهم في عيش حياة كريمة وفي الحصول على الغذاء والصحة والسكن والتعليم والعمل، ومنع الإقصاء الاجتماعي.

وحتى في البلدان متدنية الدخل، التي تكون فيها الموارد محدودة، يجب أن تكفل حكوماتها، على الأقل، وجود وتشغيل نظام ضمان اجتماعي يقدم الدعم الأساسي لجميع من يحتاجه. بيد أن ثمة أماكن عديدة في سائر بلدان العالم تتقاعس فيها الحكومات عن توفير هذا النظام لشعوبها.

حقوق العمال

لكل منا حق في العمل، وما ينطوي عليه من حقوق أثناء العمل (التي تسمى أحياناً “حقوق العمل”). ويحظى جميع العمال بالحماية بموجب هذه الحقوق، سواء كانوا يعملون في القطاع الرسمي أو غير الرسمي، وسواء كانوا عمالًا مهاجرين، أو مؤقتين، أو مستقلين.

ومع أن الحق في العمل لا يعني الحق في الحصول على وظيفة، بل هو حق في إتاحة الفرص والظروف التي يمكن أن تكفل للأشخاص إيجاد عمل لائق يوفر لهم مستوى معيشيًا ملائمًا لهم ولأُسرهم.

يتعين على الحكومات توفير خدمات الدعم التي من شأنها أن تساعد الأشخاص في الحصول على فرص عمل، ويجب أن تطور وسائل تزيد من عدد الفرص المتاحة وتوسع نطاقها. وينبغي توفير فرص العمل للجميع دون تمييز. كما يجب تمكين العمال من تكوين النقابات والانضمام إليها والاشتراك في التحرك الجماعي.

وينبغي عدم إرغام أي شخص على العمل.

بيد أنه ثمة انتهاكات واسعة النطاق لحقوق العمال، إذ إن ملايين الأشخاص يُجبرون على العمل رغمًا عن إرادتهم، أو يعملون في ظروف مهينة وجائرة، كما هي الحال في بعض مخازن شركة أمازون. بينما لا يجد آخرون، بسبب قلة الفرص، خيارًا سوى قبول وظائف في “اقتصاد الوظائف المؤقتة”، الذي غالبًا ما يتسم بساعات عمل طويلة، وعقود مؤقتة وأجور غير مضمونة.

العمال المهاجرون غالبًا ما يكونون من بين الأشخاص الأكثر عرضة للاستغلال، ويمكن التلاعب بهم كي يقوموا بالأعمال الصعبة والخطيرة دون أن يوفر أصحاب العمل الجشعين أي حماية لهم. ويمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى حدوث سيناريوهات ما نسمّيه “العمل القسري”، وهو نوع من العبودية الحديثة.

أشخاص يرفعون لافتات أثناء احتجاج نُظّم لدعم عمال شركة أمازون في “ميدان الاتحاد”، نيويورك، 20 فبراير/شباط 2021.

دراسة حالة: مساءلة عملاق الرياضة، الفيفا، في قطر

عند إعلان فوز قطر في استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال لعام 2022، تصدَّر الخبر العناوين الرئيسية حول العالم. غير أن لقطر تاريخًا في الانتهاكات الممنهجة لحقوق العمال واستغلال العمال الأجانب. ومن المُحزن أن هذه المناسبة لم تكن مختلفة بالنسبة لآلاف الأشخاص الذين كانوا بحاجة إلى العمل في التحضير لذلك الحدث التاريخي وإنجازه.

وعلى الرغم من معرفة الاتحاد الدولي لكرة القدم )الفيفا) بالأمر، فقد منح استضافة المباريات، التي تدرُّ مليارات الدولارات الأمريكية، إلى قطر دون فرض أية شروط عليها تضمن توفير وسائل حماية للعمال الوافدين برغم المخاطر المتوقعة التي تتهدد حقوقهم الإنسانية.

ونتيجة لذلك، تعرَّض مئات الآلاف من العمال الأجانب الذين تم تشغيلهم في مشاريع تتعلق بمباريات كأس العالم للاستغلال وإساءة المعاملة، وعدم دفع أجورهم، والعمل القسري، وظروف عمل أدت إلى وفاة مأساوية لبعضهم.

وإلى جانب منظمات أخرى، تقوم منظمة العفو الدولية بحملة من أجل أن يدفع الفيفا تعويضات للعمال الأجانب الذين تضرروا من جراء تلك الانتهاكات، وتدعو إلى المحافظة على حقوقهم العمالية من خلال إنشاء صندوق تعويضات ووضع حد للممارسات التي تنتهك حقوقهم.

الحق في الانتصاف

على الرغم من كل ما ذكر آنفًا، فإن واقع ملايين الأشخاص يبيّن أن الحكومات غالبًا ما أخفقت في إعمال بعض هذه الحقوق أو جميعها. وهنا يبرز الحق في الانتصاف، الذي يعني أنه يجب أن يكون جميع الأشخاص قادرين على اللجوء إلى الإجراءات القانونية عندما تتعرض حقوقهم للانتهاك.

ويجب أن يكون الانتصاف سهل المنال وملزمًا وفعالًا وأن يحقق العدالة. ويجب أن يوفر دفع تعويضات مناسبة للضحايا ومنع وقوع المزيد من الانتهاكات لحقوقهم.

ومع أن الحق في الانتصاف يكفل القدرة على الوصول إلى سبل الانتصاف من الدول مباشرةً، فإن التعاون والمساعدة الدولييْن بغاية الأهمية لإعمال هذا الحق. وينبغي أن تعمل الدول معًا من أجل ضمان قدرة الأشخاص على التماس العدالة، كجزء من التزاماتها العابرة للحدود. وهذا يعني أن التزامات حقوق الإنسان لا تقف عند حدود الدول عندما تؤثر أفعالها على من يعيشون في بلدان أخرى.

إن الحق في التعويض ينطبق على جميع الحقوق، كتعرَّض أشخاص للتعذيب، أو الإخلاء القسري من منزلهم في سياق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو انتهاك شركة تجارية ما لحقوقهم مثلما حدث في قطر.

دراسة حالة: إخضاع شركة “شل” للمساءلة في دلتا النيجر

استخدمت المجتمعات المحلية في نيجيريا حقها في التعويض من أجل تقديم شركة النفط العملاقة شل (Shell) إلى العدالة.

ففي عام 2021، أعلنت شركة شل عن خطتها لبيع أصولها في دلتا نهر النيجر بعد 60 عامًا من جنيِها للأرباح. لكنها لم توضح كيف خططت للتعامل مع التلوث واسع الانتشار والممنهج في مناطق المجتمعات النيجيرية الناجم عن عملياتها قبل بيعها ومغادرة البلاد.

وما زالت منظمة العفو الدولية، على مدى عقود، توثِّق الانتهاكات الفظيعة والدائمة لحقوق الإنسان، الناجمة عن التلوث النفطي في دلتا النيجر. وقد كان لذلك تأثير مدمر على حياة الناس، ما يعني أنه لم يعد بمقدورهم مزاولة الزراعة أو صيد الأسماك، والحصول على المياه النظيفة، أو حتى العيش في بيئة صحية.

قدَّم السكان من مجتمعات أوغالي وبيلي دعوى قضائية ضد شركة شل إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة. واستنادًا إلى نقطة فنية تتعلق بمسؤولية الشركة الأُم المتمركزة في المملكة المتحدة، طالبَ السكان الشركة بتنظيف التسرب النفطي الذي دمَّر وسائل عيشهم وسمَّم آبارهم ولوَّث أرضهم وماءهم، وقد كسبوا الدعوى.

إن هذا الحُكم الذي يشكل نقطة تحول، من شأنه أن يتيح لتلك المجتمعات إمكانية إعادة الدعوى إلى المحكمة العليا، ويمكن أن يشكل نهاية لفصل طويل من الإفلات من العقاب من قبل شركة شل وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات، التي ترتكب انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم. كما أنها خطوة مهمة لضمان تعويض الشركة عن الأضرار التي تسببت بها، وتعويض المجتمعات عن خسارة وسائل عيشها. وهي بذلك إنما تعطي مثالًا جيدًا يوضح كيف يمارس الناس حقهم في الحصول الانتصاف والتماس العدالة حتى من أعتى الخصوم.

كيف تؤثر سياسات التقشف على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟

تُعتبر سياسة التقشف عاملًا كبيرًا من عوامل التأثير على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فعندما تطبِّق الحكومات سياسة “التقشف”، قد يكون لذلك آثار ضارة للغاية على حقوق الإنسان.

والتقشف هو قيام الحكومات بإجراءات تهدف إلى محاولة تخفيض الدين العام، وذلك بتقليص الإنفاق عادةً. من شأن هكذا إجراءات التأثير على حقوق الناس لأنها غالبًا ما تعني قطع أو تقليص تمويل الخدمات الأساسية التي تضمن إمكانية حصول الناس على حقوقهم. ومن الناحية العملية، قد يعني ذلك انتظار خدمات الرعاية الصحية الحيوية لفترات أطول، أو عدم ضمان خدمات أخرى من قبيل إزالة النفايات، مما يؤدي إلى تردي خدمات الصرف الصحي. وربما تتقلص رواتب الضمان الاجتماعي، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر والجوع.

وقبل تطبيق سياسة التقشف، يتعين على الحكومات أن تضع في اعتبارها آثار ذلك على حقوق الإنسان، وأن تفكر بإجراءات بديلة. وقد تأتي تلك الإجراءات على شكل تفاوض مع الدائنين بشأن تخفيض الديون، أو الإصلاح الضريبي لضمان وجود نظام أكثر عدلًا، أو تحويل الأموال المخصصة لمجالات أخرى نحو الخدمات الأساسية الأهم، كالتعليم والرعاية الصحية.

حقوق الإنسان في عالم من الأزمات المتداخلة

تواجه البشرية في الوقت الراهن سيناريو غير مسبوق من الأزمات الخطيرة والمتداخلة، التي تتقاطع ويؤجج بعضها بعضًا ويزيده سوءًا.

فعلى سبيل المثال، قد تؤدي أزمة المناخ المستمرة إلى نزوح الناس من أرضهم التي لم يعد بوسعهم زراعتها، مما يعرِّضهم لخطر المعاناة من عدم الحصول على السكن اللائق والغذاء والماء والصرف الصحي. وإذا كانت حكومتهم تفرض إجراءات تقشفية، فربما لا يتوفر تمويل كافٍ لمساعدتهم بشكل ملائم.

وبالعكس، فإن أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة العالمية ربما تعني أن الدول لم تعد قادرة على التصدي لآثار تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، إذا تدمرت مدرسة بفعل الطقس السيء، فقد لا تتوفر أي أموال لإعادة بنائها، وبالتالي لا يحصل الأطفال على التعليم.

إن هذه الأزمات المتقاطعة تؤدي إلى زيادة الفقر وعدم المساواة والتمييز في العالم بأسره.

محتجون يقرعون الأواني والأوعية أثناء مشاركتهم في تجمع ميدان سينتاغما أمام البرلمان اليوناني في 29 مايو/أيار 2011، أثينا، اليونان.

دراسة حالة: الأزمة الاقتصادية في سري لانكا

لقد أدت عقود من الحكم غير المستقر وسوء الإدارة الاقتصادية وفرض الضرائب الباهظة إلى إضعاف اقتصاد سري لانكا، قبل أن تضربها جائحة كوفيد-19 في عام 2019.

يأتي قسط كبير من عوائد سري لانكا من قطاع السياحة، الذي قُضي عليه بين عشية وضحاها. كما أمسى تدفق الأموال من مواطنيها العاملين في الخارج بطيئًا. واضطرت الحكومة إلى الاعتماد على احتياطي العملات الأجنبية في البنك المركزي، ما أغرق البلاد في أزمة اقتصادية.

وأدَّى نقص الوقود إلى اصطفاف طوابير طويلة أمام المحطات وانقطاع التيار الكهربائي، مما ألحق الضرر بالخدمات الأساسية كالصرف الصحي والرعاية الصحية، ونفاذ الأدوية وموارد الطاقة من المستشفيات. وأصبح الحصول على مياه الشرب والأغذية الكافية أكثر صعوبة. وأدى تدهور الظروف إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق، غالبًا ما ردَّت عليها السلطات باستخدام العنف.

وأدَّت الأزمة إلى تفاقم حالة الفقر وقضت على أنظمة الضمان الاجتماعي، مما أثَّر على قدرة الحكومة على ضمان حقوق الإنسان. فعندما يُنتهك حق من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فيمكن أن يمتد تأثيره إلى جميع الحقوق الأخرى ويتداخل معها.

مواطنون سريلانكيون ينتظرون في طابور حاملين أسطوانات غاز طهو فارغة بالقرب من مركز لتوزيع الغاز في كولومبو، سري لانكا، في 21 مايو/أيار 2022.

ماذا تفعل منظمة العفو الدولية للنضال من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟

تدعو منظمة العفو الدولية إلى إحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل كامل لضمان تمكين الجميع من العيش حياة كريمة دون أن يتعرضوا للتمييز والفقر.

وتدعو حملتنا، لنَحمِ التظاهر، الحكومات إلى السماح للناس بممارسة حقهم في الاحتجاج، سواء كان ضد الفقر أو عدم المساواة أو ظروف العمل غير الآمنة، أو عدم المساواة في الرعاية الصحية، أو الحرمان من التعليم، أو أيٍّ من المجالات الأخرى التي لا يستطيعون فيها الحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

إننا نساعد العمال في الدفاع عن حقوقهم، وفضح شروط وممارسات العمل غير القانونية التي تنتهك حقهم في العمل.

ونناضل من أجل أن يتمكن الأطفال من الحصول على تعليم جيد، ومن أجل أن يحصل كل شخص على منزل آمن وصحي يتوفر فيه ما يكفي من الغذاء والماء.

وندعو الحكومات إلى ضمان ألا يقع أحد في براثن الفقر على الرغم من وجود عقبات من قبيل الأزمة الاقتصادية، وإلى الإيفاء بالتزاماتها المتعلقة بالضمان الاجتماعي.

كما أننا نمارس ضغوطًا شديدة كي نتأكد من أنه عندما تُنتهك الحقوق، يتم تقديم مرتكبيها للعدالة.

ثمة تحديات عدة تلوح في الأفق في سائر أنحاء العالم.

فقد أدت أزمتا تغير المناخ وارتفاع تكاليف المعيشة إلى تفاقم العديد من الصعوبات التي يواجهها الناس في الحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بيد أنه من الضروري احترام هذه الحقوق وحمايتها وضمانها لكل شخص دون تمييز، لأنها أساسية من أجل عيش حياة سامية ذات قيمة، ولن نتوقف عن النضال من أجل هذه الحقوق.

إحدى المحتجات ترفع لافتة تطلق على أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة عبارة “الفقر الذي افتعلته الدولة”، أثناء مظاهرة في لندن، 18 يونيو/حزيران، 2022.

هل تودّون معرفة المزيد حول أهمية حقوق الإنسان في مكافحة الفقر وعدم المساواة؟

تسجلوا في دورتنا التعليمية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

واحصلوا على شهادة من منظمة العفو الدولية.